كاسترو 1959: سلاح الصحة والتعليم بدل أسلحة القنابل والصواريخ النووية
بقلم: سعيد رحيم
يتضح تدريجيا في الجزء الأخير من هذه الورقة التركيبية - التي نسعى من خلالها البرهنة على أن مقولة عالم الرياضيات سيدريك فيلاني تنطبق على المعادلة النظرية (نفي النفي) في ديالكتيك المادية الجدلية - أن إجراءات إغلاق الحدود التي يشهدها العالم اليوم سيكون لها تأثيرات جوهرية على الشعوب والدول.
فإغلاق الحدود، تحت ضغط وتمدد فيروس كورونا، هو أول ضربة موجعة لسياسة لاقتصاد السوق، من شأنها تعميق الشرخ في زواج "البريكولاج" بين اقتصاد السوق العالمي والديمقراطية المحلية، وأن يدفع الشعوب والدول إلى الانكباب على أوضاعها الداخلية لإيجاد الحلول لمعضلاتها الأساسية التي حالت دون المواجهة والتصدي المبكر لهذا الفيروس "مجهول المصدر"، والتي من المؤكد ألا تكون حلولا خارج قطاعي الصحة والتعليم.
نهاية دركي العالم
يستبعد أتالي في قراءته لما سيكون عليه عالم 2030، استمرار مفهوم "دركي العالم" حيث لن تبقى، في نظره، الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم. ولن تخلفها قوة عالمية أخرى، بما في ذلك أوروبا التي تتخبط تحت قبضة جائحة كورونا. كما أن الصين بدورها، في تصوره، ستظل منهمكة في قضاياها الداخلية المتعددة والمعقدة. ولكونها ليس قوة استعمارية في الماضي فلا يمكن لها أن تكون الدركي العالمي الجديد.
وعلى الرغم من استمرار مظاهر التمدن الغربي ثقافيا وإيديولوجيا فإن إحلال نظام عالمي جديد لن يكون ميكانيكيا بالضرورة فور تقلي النظام القديم الضربة القاضية بل بعده بمدة زمنية يكون فيها قطاعا الصحة والتعليم العاملان الرئيسيان للنمو. نمو لا يرتبط فقط بالحاجيات الإنسانية المتزايدة على طلبهما، بل كذلك بالتكنولوجيات الجديدة المتقدمة المتلائمة، وهي سيف ذو حدين. من الناحية التعليمية المستمرة ، نظرا لما تطرح التكنولوجيات الجديدة، وهي لازالت في بدايتها، من تحديات على السلامة الصحية وعلى علاقة الإنسان بعالم الروبوتيزم وتحديات في مجال التواصل المتكافئ مع الآخر.
إنها تراكمات من القضايا والمشاكل التي تفرضها مرحلة ما بعد الطلاق بين اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية المبنية على الحرية الفردانية.
تأجيل الحلول
حسب أتالي، دائما، اعتادت البشرية تأجيل إيجاد الحلول لمثل هذه القضايا الشائكة والبث فيها إلى ما بعد على اعتقاد أن "الوقت يلعب لصالحنا". إنها المجتمعات المبنية على التفاؤل والتي لا تفعل أي شيء سوى تصدير مشاكلها إلى الأجيال القادمة أو انتظار البطل المنقد. *كما يحدث في ميثولوجيا أفلام الكوبوي، إذ يكون الشريف في النهاية هو صاحب الحل والعقد أو ميثولوجيا أفلام الغزو العسكري الأمريكي لفيتنام "رامبو" أو في أفلام الجريمة أو ما يسمى عند أهل الشيعة ب"المهدي المنتظر".
كما يفسر تأخر التطبيق العملي لنظرية نفي النفي اعتياد البلدان الغربية الرأسمالية والتوابع على اللجوء إلى تصاعد المديونية كما اعتمدت ذلك الرأسمالية الأمريكية في كثير من الأزمات التي وضعتها على حافة الانهيار.
ويتم اللجوء في الكثير من الحالات المماثلة إلى التفكير في النموذج الأفضل للإفلات من الأزمات الدورية كما هو الحال في الوقت الراهن استمرار نموذج الفردانية l'individualisme أو العودة إلى الأصولية، غير أنها نماذج، يقول أتالي، لا تنسلخ عن التناقض القائم بين اقتصاد السوق والديمقراطية.
وفي نظر المفكر الفرنسي فإن المقاربة الأكثر نجاعة، في العرض الذي قدمه، هو ما أطلق عليه، كنقيض للفرادنية، مفهوم (الإيثار Altruisme))، أي الاهتمام بالآخر. سعادتي تكمن في سعادة الآخر ونجاحي في نجاح الآخر والتفكير في مصلحة الأجيال القادمة لأنها مصلحتنا .. وهو ما لا يتأتى بالمثالية بل بالعقلانية، التي يلعب فيها التشبيك الاجتماعي والمنظمات المدنية والمسؤوليات الاجتماعية للمساعدة في التغلب على الفقر والجهل الدور الأساسي، مع اعتقاده أن هذه الحلقة هي ميدان الصراع الإيديولوجي بين عالم يتوارى وآخر في طريق الصعود.
الختم: الحتمية
يتضح انطلاقا من مقولة سيدريك فيلاني (التأخر العملي في تطبيق النطرية) وصولا إلى تصورات جاك أتالي لعالم 2030، أن نظرية نفي النفي الواردة في المادية الدياليتكية والقائمة على خلفية المادية التاريخية القائلة: بأن تاريخ البشرية هو تاريخ صراع الطبقات، نظرية تأخذ طريقها نحو التطبيق العملي لها، بعد مرور ما يقرب قرنين من الزمن، ليس من منطلق الغائية، كما قد يعتقد البعض، بل من باب الحتمية التاريخية الواردة في الفلسفة الماركسية، حيث الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، وان كانت كورونا فيروس تأخذ مكانتها فيه، اليوم، كمنعطف رئيسي ذو حمولة سياسية واقتصادية واجتماعية وأيديولوجية، أيضا.
كاسترو 1959: سلاح الصحة والتعليم بدل أسلحة القنابل والصواريخ النووية
بقلم: سعيد رحيم
يتضح تدريجيا في الجزء الأخير من هذه الورقة التركيبية - التي نسعى من خلالها البرهنة على أن مقولة عالم الرياضيات سيدريك فيلاني تنطبق على المعادلة النظرية (نفي النفي) في ديالكتيك المادية الجدلية - أن إجراءات إغلاق الحدود التي يشهدها العالم اليوم سيكون لها تأثيرات جوهرية على الشعوب والدول.
فإغلاق الحدود، تحت ضغط وتمدد فيروس كورونا، هو أول ضربة موجعة لسياسة لاقتصاد السوق، من شأنها تعميق الشرخ في زواج "البريكولاج" بين اقتصاد السوق العالمي والديمقراطية المحلية، وأن يدفع الشعوب والدول إلى الانكباب على أوضاعها الداخلية لإيجاد الحلول لمعضلاتها الأساسية التي حالت دون المواجهة والتصدي المبكر لهذا الفيروس "مجهول المصدر"، والتي من المؤكد ألا تكون حلولا خارج قطاعي الصحة والتعليم.
نهاية دركي العالم
يستبعد أتالي في قراءته لما سيكون عليه عالم 2030، استمرار مفهوم "دركي العالم" حيث لن تبقى، في نظره، الولايات المتحدة الأمريكية قائدة العالم. ولن تخلفها قوة عالمية أخرى، بما في ذلك أوروبا التي تتخبط تحت قبضة جائحة كورونا. كما أن الصين بدورها، في تصوره، ستظل منهمكة في قضاياها الداخلية المتعددة والمعقدة. ولكونها ليس قوة استعمارية في الماضي فلا يمكن لها أن تكون الدركي العالمي الجديد.
وعلى الرغم من استمرار مظاهر التمدن الغربي ثقافيا وإيديولوجيا فإن إحلال نظام عالمي جديد لن يكون ميكانيكيا بالضرورة فور تقلي النظام القديم الضربة القاضية بل بعده بمدة زمنية يكون فيها قطاعا الصحة والتعليم العاملان الرئيسيان للنمو. نمو لا يرتبط فقط بالحاجيات الإنسانية المتزايدة على طلبهما، بل كذلك بالتكنولوجيات الجديدة المتقدمة المتلائمة، وهي سيف ذو حدين. من الناحية التعليمية المستمرة ، نظرا لما تطرح التكنولوجيات الجديدة، وهي لازالت في بدايتها، من تحديات على السلامة الصحية وعلى علاقة الإنسان بعالم الروبوتيزم وتحديات في مجال التواصل المتكافئ مع الآخر.
إنها تراكمات من القضايا والمشاكل التي تفرضها مرحلة ما بعد الطلاق بين اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية المبنية على الحرية الفردانية.
تأجيل الحلول
حسب أتالي، دائما، اعتادت البشرية تأجيل إيجاد الحلول لمثل هذه القضايا الشائكة والبث فيها إلى ما بعد على اعتقاد أن "الوقت يلعب لصالحنا". إنها المجتمعات المبنية على التفاؤل والتي لا تفعل أي شيء سوى تصدير مشاكلها إلى الأجيال القادمة أو انتظار البطل المنقد. *كما يحدث في ميثولوجيا أفلام الكوبوي، إذ يكون الشريف في النهاية هو صاحب الحل والعقد أو ميثولوجيا أفلام الغزو العسكري الأمريكي لفيتنام "رامبو" أو في أفلام الجريمة أو ما يسمى عند أهل الشيعة ب"المهدي المنتظر".
كما يفسر تأخر التطبيق العملي لنظرية نفي النفي اعتياد البلدان الغربية الرأسمالية والتوابع على اللجوء إلى تصاعد المديونية كما اعتمدت ذلك الرأسمالية الأمريكية في كثير من الأزمات التي وضعتها على حافة الانهيار.
ويتم اللجوء في الكثير من الحالات المماثلة إلى التفكير في النموذج الأفضل للإفلات من الأزمات الدورية كما هو الحال في الوقت الراهن استمرار نموذج الفردانية l'individualisme أو العودة إلى الأصولية، غير أنها نماذج، يقول أتالي، لا تنسلخ عن التناقض القائم بين اقتصاد السوق والديمقراطية.
وفي نظر المفكر الفرنسي فإن المقاربة الأكثر نجاعة، في العرض الذي قدمه، هو ما أطلق عليه، كنقيض للفرادنية، مفهوم (الإيثار Altruisme))، أي الاهتمام بالآخر. سعادتي تكمن في سعادة الآخر ونجاحي في نجاح الآخر والتفكير في مصلحة الأجيال القادمة لأنها مصلحتنا .. وهو ما لا يتأتى بالمثالية بل بالعقلانية، التي يلعب فيها التشبيك الاجتماعي والمنظمات المدنية والمسؤوليات الاجتماعية للمساعدة في التغلب على الفقر والجهل الدور الأساسي، مع اعتقاده أن هذه الحلقة هي ميدان الصراع الإيديولوجي بين عالم يتوارى وآخر في طريق الصعود.
الختم: الحتمية
يتضح انطلاقا من مقولة سيدريك فيلاني (التأخر العملي في تطبيق النطرية) وصولا إلى تصورات جاك أتالي لعالم 2030، أن نظرية نفي النفي الواردة في المادية الدياليتكية والقائمة على خلفية المادية التاريخية القائلة: بأن تاريخ البشرية هو تاريخ صراع الطبقات، نظرية تأخذ طريقها نحو التطبيق العملي لها، بعد مرور ما يقرب قرنين من الزمن، ليس من منطلق الغائية، كما قد يعتقد البعض، بل من باب الحتمية التاريخية الواردة في الفلسفة الماركسية، حيث الصراع الطبقي هو محرك التاريخ، وان كانت كورونا فيروس تأخذ مكانتها فيه، اليوم، كمنعطف رئيسي ذو حمولة سياسية واقتصادية واجتماعية وأيديولوجية، أيضا.