سعيد رحيم
ظلت الحروب ولاتزال مصدر إلهام لتطور العلوم، خاصة في مجال الصناعات الحربية، إعمالا لغريزة البقاء، التي تصارع اليوم شبح الفناء.
فقد شهدت البشرية عبر كل العصور انخراط كل الأمم والشعوب في مسلسل ابتكار أساليب المقاومة والحماية من الأخطار الخارجية، بل حتى ابتكار أسلحة الهجوم على الغير، بدافع تضخيم نفس غريزة البقاء.
وكما تطرق إلى ذلك كثيرون عند تحليلهم دواعي الصراعات البشرية ضد الطبيعة أو ضد بعضهم البعض، فإن الملكية الخاصة وحب السيطرة والاستحواذ، مثلت عبر العصور ولا تزال مصدرا لحروب عجلت بتطور أدوات الحرب. وقد تم التطرق إلى ذلك مثلا في "الثالوث المحرم" وفي أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" لبوعلي ياسين وفريدريك أنجلس، على التوالي.
عبر هذا المعطى الجامع تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، تطورت آليات و أدوات السيطرة على الأخر؛ من صناعة السلاح الحجري إلى الكمامة مرورا بالسلاح النووي ثم البيولوجي والكيماوي. وفي كل محطات الصراع ظلت الكلمة الأخيرة للسلاح، الذي غير مجرى التاريخ. كما نشاهده اليوم.
ومع بداية القرن العشرين، الذي شهد حروبًا دولية وعالمية تفننت دول عظمى بشكل جنوني في اختراع ما أصبح يطلق عليه " الأسلحة الذكية"
وشكلت الحرب العالمية الثانية محطة رئيسية في التطورات المذهلة للتسلح عززتها الحرب الباردة. وكانت بريطانيا، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قد لجأت من قبل، ولكي تضمن النصر، إلى الاعتماد على العالِم أو المهندس أو أي شخص يساهم بالعمل الجاد في تطوير البحث التقني والعلمي والتنمية، "منعزلا" في المختبرات وأوراش العمل، بهدف محو العدو. وهو ما أطلقت عليه لفظة "بوفينز"(Boffins).
لم يقتصر استعمال الأسلحة الفتاكة فقط على إبادة العدو، الذي هو بشر، بل امتد إلى نشر السموم على الأراضي الزراعية وانتشار الفيروسات والأوبئة والعاهات الخلقية والأمراض غير المعروفة لحد الآن والاضطرابات النفسية والعقلية، في أكثر من بلد في العالم. حتى أن اقتران جشع الملكية الخاصة بغريزة البقاء أصبح يدفع البشرية نحو ابتكار أسباب الفناء.
من ذلك؛ فقد بلغ الإنفاق العالمي على التسلح لعام 2018، ووفقا لتقارير معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، 1.8 ترليون دولار بزيادة قدرها 2.6% مقارنة بعام 2017. وطبعا تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة الترتيب العالمي ومجموع إنفاق حلف الناتو ( 849,875,309,000 مليار دولار) ومجموع إنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي (592,745,000,000 مليار دولار).. أرقام خيالية وأخرى مهولة في باقي بلدان التصنيع العسكري في روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا .. فيما السعودية وإسرائيل على قائمة البلدان في الشرق الأوسط.
إلى ذلك؛ لا تخفى في هذا الصدد المخاوف التي تشكلها الأبحاث الصناعية في مجال صناعة آلة الروبو العسكري لشن حروب خالية من أي وازع بشري.
لكن مع وباء كورونا ظهر كل هذا الإنفاق العسكري المهول والخيالي بدون جدوى.. عاجزة عن محاربة عدو لا وزن له !
وبما أن العالم ليس متجانسا في أفكاره وفي اختياراته فإن هذه الجائحة تعيد إلى الأذهان خطاب الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وهو يتحدث إلى شعبه عن أهداف الثورة الكوبية ضد خطر إفنائها من قبل الامبريالية الأمريكية المجاورة، يقول فيه: "بلادنا لا تسقط القنابل على الآخرين ولا ترسل آلاف الطائرات لقصف المدن ولا تملك أسلحة نووية ولا كميائية ولا بيولوجية، بل تعول كوبا - التي هي جزيرة صغيرة بين الأمريكيتين- على عشرات الآلاف من العلماء الذين بالإضافة إلى أطباء نشأوا على فكرة إنقاذ حياة الآخرين ..
وأضاف في نفس الخطاب :" .. في بلدنا يعكف الباحثون على مداواة الأمراض بفضل التلاقيح التي يتم إنتاجها عبر تقنيات المعالجة الجنية ..وعبر علم المناعة الجزئية التي تهاجم مباشرة الخلايات الخبيثة، التي تمنع الشفاء.." مشيرا إلى أن بلده ترسل إلى الأماكن الأكثر فقرا في العالم..أطباء لا أسلحة ذكية تسقط الآلاف، لأنه وبعد كل شيء سلاح يقتل بالخيانة، ولكن قطعا هو ليس سلاحا ذكيا !".
وقد شهد العالم بمناسبة جائحة كورونا، فعلا، وفودا من الأطباء الكوبيين قدموا خدماتهم على الصعيد الدولي في أكثر المناطق تأخرا ونقصا في العلاج..بما في ذلك في دول الاتحاد الأوروبي، الموجوع.
إنه أفضل تعبير أمام عجز ترسانات من الأسلحة العسكرية البليدة، التي لم تعد قادرة على تغيير مجرى التاريخ بعجزها عن مواجهة عدو مثّل شبحاً لفناء البشرية، لا يتعدى قطره 80 نانومترا، أي أقل بألف مرة من شعرة في رأس إنسان.
سعيد رحيم
ظلت الحروب ولاتزال مصدر إلهام لتطور العلوم، خاصة في مجال الصناعات الحربية، إعمالا لغريزة البقاء، التي تصارع اليوم شبح الفناء.
فقد شهدت البشرية عبر كل العصور انخراط كل الأمم والشعوب في مسلسل ابتكار أساليب المقاومة والحماية من الأخطار الخارجية، بل حتى ابتكار أسلحة الهجوم على الغير، بدافع تضخيم نفس غريزة البقاء.
وكما تطرق إلى ذلك كثيرون عند تحليلهم دواعي الصراعات البشرية ضد الطبيعة أو ضد بعضهم البعض، فإن الملكية الخاصة وحب السيطرة والاستحواذ، مثلت عبر العصور ولا تزال مصدرا لحروب عجلت بتطور أدوات الحرب. وقد تم التطرق إلى ذلك مثلا في "الثالوث المحرم" وفي أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" لبوعلي ياسين وفريدريك أنجلس، على التوالي.
عبر هذا المعطى الجامع تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، تطورت آليات و أدوات السيطرة على الأخر؛ من صناعة السلاح الحجري إلى الكمامة مرورا بالسلاح النووي ثم البيولوجي والكيماوي. وفي كل محطات الصراع ظلت الكلمة الأخيرة للسلاح، الذي غير مجرى التاريخ. كما نشاهده اليوم.
ومع بداية القرن العشرين، الذي شهد حروبًا دولية وعالمية تفننت دول عظمى بشكل جنوني في اختراع ما أصبح يطلق عليه " الأسلحة الذكية"
وشكلت الحرب العالمية الثانية محطة رئيسية في التطورات المذهلة للتسلح عززتها الحرب الباردة. وكانت بريطانيا، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قد لجأت من قبل، ولكي تضمن النصر، إلى الاعتماد على العالِم أو المهندس أو أي شخص يساهم بالعمل الجاد في تطوير البحث التقني والعلمي والتنمية، "منعزلا" في المختبرات وأوراش العمل، بهدف محو العدو. وهو ما أطلقت عليه لفظة "بوفينز"(Boffins).
لم يقتصر استعمال الأسلحة الفتاكة فقط على إبادة العدو، الذي هو بشر، بل امتد إلى نشر السموم على الأراضي الزراعية وانتشار الفيروسات والأوبئة والعاهات الخلقية والأمراض غير المعروفة لحد الآن والاضطرابات النفسية والعقلية، في أكثر من بلد في العالم. حتى أن اقتران جشع الملكية الخاصة بغريزة البقاء أصبح يدفع البشرية نحو ابتكار أسباب الفناء.
من ذلك؛ فقد بلغ الإنفاق العالمي على التسلح لعام 2018، ووفقا لتقارير معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، 1.8 ترليون دولار بزيادة قدرها 2.6% مقارنة بعام 2017. وطبعا تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة الترتيب العالمي ومجموع إنفاق حلف الناتو ( 849,875,309,000 مليار دولار) ومجموع إنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي (592,745,000,000 مليار دولار).. أرقام خيالية وأخرى مهولة في باقي بلدان التصنيع العسكري في روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا .. فيما السعودية وإسرائيل على قائمة البلدان في الشرق الأوسط.
إلى ذلك؛ لا تخفى في هذا الصدد المخاوف التي تشكلها الأبحاث الصناعية في مجال صناعة آلة الروبو العسكري لشن حروب خالية من أي وازع بشري.
لكن مع وباء كورونا ظهر كل هذا الإنفاق العسكري المهول والخيالي بدون جدوى.. عاجزة عن محاربة عدو لا وزن له !
وبما أن العالم ليس متجانسا في أفكاره وفي اختياراته فإن هذه الجائحة تعيد إلى الأذهان خطاب الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وهو يتحدث إلى شعبه عن أهداف الثورة الكوبية ضد خطر إفنائها من قبل الامبريالية الأمريكية المجاورة، يقول فيه: "بلادنا لا تسقط القنابل على الآخرين ولا ترسل آلاف الطائرات لقصف المدن ولا تملك أسلحة نووية ولا كميائية ولا بيولوجية، بل تعول كوبا - التي هي جزيرة صغيرة بين الأمريكيتين- على عشرات الآلاف من العلماء الذين بالإضافة إلى أطباء نشأوا على فكرة إنقاذ حياة الآخرين ..
وأضاف في نفس الخطاب :" .. في بلدنا يعكف الباحثون على مداواة الأمراض بفضل التلاقيح التي يتم إنتاجها عبر تقنيات المعالجة الجنية ..وعبر علم المناعة الجزئية التي تهاجم مباشرة الخلايات الخبيثة، التي تمنع الشفاء.." مشيرا إلى أن بلده ترسل إلى الأماكن الأكثر فقرا في العالم..أطباء لا أسلحة ذكية تسقط الآلاف، لأنه وبعد كل شيء سلاح يقتل بالخيانة، ولكن قطعا هو ليس سلاحا ذكيا !".
وقد شهد العالم بمناسبة جائحة كورونا، فعلا، وفودا من الأطباء الكوبيين قدموا خدماتهم على الصعيد الدولي في أكثر المناطق تأخرا ونقصا في العلاج..بما في ذلك في دول الاتحاد الأوروبي، الموجوع.
إنه أفضل تعبير أمام عجز ترسانات من الأسلحة العسكرية البليدة، التي لم تعد قادرة على تغيير مجرى التاريخ بعجزها عن مواجهة عدو مثّل شبحاً لفناء البشرية، لا يتعدى قطره 80 نانومترا، أي أقل بألف مرة من شعرة في رأس إنسان.