بقلم: سعيد رحيم
أطل يوم أمس الأربعاء خبر في الدار البيضاء مفاده أن فعاليات إعلامية قد قررت تأسيس هيئة أو جمعية تحت اسم "الجمعية الوطنية للإعلام والنشر".
وإن كان الخبر يعد عاديا من حيث الحق في تأسيس الجمعيات المهنية وفي التعددية التي يضمنها الدستور فإن خروج جمعية للناشرين في مجال الصحافة الورقية والإلكترونية والإذاعية في ظل وجود جمعية سابقة وفي هذا الظرف بالذات يثير أكثر من سؤال.
وللعلم فقد اختار المجتمعون بالمناسبة السيد عبد المنعم الديلامي رئيس المجموعة الإعلامية إيكوميديا رئيسا لهذا الجنين، الذي نتمنى أن يكتمل ليخرج إلى الوجود بتصور وبطموح إعلامي مخالف لما دأبت عليه باطرونا النشر في المغرب اللاهتة وراء الدعم والمحتشمة أمام معارك حرية التعبير والدفاع عن معتقلي الرأي.
معروف أن الديلمي هو أول رئيس لفدرالية ناشري الصحف بالمغرب والتي تأسست في سنة 2000 عقب خروجها كغرفة للناشرين من النقابة الوطنية للصحافة المغربية في أعقاب مؤتمرها الوطني الرابع.
فقد كان الرهان على أن يكون استقلال الباطرونا عن إطار الصحفيين قوة دفع لقاطرة حداثة وتوسيع هامش الحرية مسنودا بجسام التضحيات التي دفعها المغاربة، من مواقع مختلفة، ثمنا لبناء المجتمع الحداثي الديمقراطي لكن الواقع كان مخيبا للآمال.
ويتذكر الجميع، خصوصا من هم في الميدان، الانتكاسات المتتالية لواقع الإعلام والصحافة في المغرب من اعتقالات وتتريك وإقفال وتضييق على الهامش الذي لازال يضيق إلى اليوم.
في كل المحن، التي هزت حرية الصحافة في المغرب، يشهد التاريخ أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ورغم ما يمكن أن يقال عن تركيبتها العامة، ظلت القلعة الوحيد على الصعيد المهني في مواجهة المد والجزر الذي اعترى حرية الرأي والتعبير، وطبعا مؤازرة، في كثير من المواقف، بهيئات وجمعيات حقوقية وطنية وإقليمية ودولية. بينما هيئة أو فدرالية الناشرين – سواء في بدايتها على عهد الديلمي أو على عهد الذي أخلفوه - ظلت متفرجة على الوضع، رغم أن الذين ضربتهم عصا القمع كانوا إما أعضاء في الفدرالية أو ناشرين. ولكن أوليغارسية الفدرالية، وإن كانت هي الغائب الأكبر باستمرار عن مناهضة التضييق على حرية الصحافة في المغرب، فإنها كانت ولاتزال مواظبة الحضور كلما تعلق الأمر بالمطالبة أو بالاستفادة من وزيعة الدعم المالي للصحف، الذي غالبا ما يتخذ شكل الاستفادة من الريع.
في اجتماع يوم أمس كانت المطالبة بالدعم المالي، أيضا، أبرز ما جاء في أول تصريح للسيد الديلمي، وكأن التاريخ يعيد نفسه. وقد قلنا سابقا أن الدعم المالي الذي ظلت تستفيد منه المؤسسات المنتمية للفدرالية لا تظهر آثره إلا على المدراء. وكأنه ثمن الصمت على هدر وانتهاك الحريات، فيما يعيش جل الصحفيين والصحفيات في وضعية ضيق مزمن.
إن انحدار المقروئية في الصحافة المغربية لا يمكن إرجاعه فقط للأزمة الحالية ولا لتشابه وضعها مع وضع الصحافة في العالم فقط، بل تعود بشكل أساسي إلى طرق وأساليب التدبير والتسير المتخلف، الذي تغرق فيه هذه المؤسسات الإعلامية.
لا ننسى قبل الختام الإشارة إلى التدني المستمر لأداء عدد من الإذاعات الخاصة، منتمية كذلك لهذه الباطرونا ، والتي زادت من تلوث المناخ الإعلامي وتحول البعض منها إلى منابر دعائية أو تهريجية دعوية عوض أن تستفيد من التجارب المهنية بناء على الاستقلالية وعلى أخلاقيات المهنية.
كما لا ننسى في ذات السياق الهواجس والتطلعات المرتبطة بسياسة السباق والتسلق إلى المجلس الوطني للصحافة، الذي لم تتبق من عمر ولايته الأولى سوى أقل مما فات.
لذلك، فإن ما وراء الأكمة ليس فقط الاحتماء من فيروس ما ولكن، هذه المرة، للتستر على أهداف مبيتة تعريها أطماع وهواجس الجمع بين المال والسلطة في عالم الصحافة والإعلام، الذي يعاني مهنيوه ومناخه اليوم وبسبب المسلكيات السالفة الذكر، من وضع أصعب مما كان عليه بالأمس.
بقلم: سعيد رحيم
أطل يوم أمس الأربعاء خبر في الدار البيضاء مفاده أن فعاليات إعلامية قد قررت تأسيس هيئة أو جمعية تحت اسم "الجمعية الوطنية للإعلام والنشر".
وإن كان الخبر يعد عاديا من حيث الحق في تأسيس الجمعيات المهنية وفي التعددية التي يضمنها الدستور فإن خروج جمعية للناشرين في مجال الصحافة الورقية والإلكترونية والإذاعية في ظل وجود جمعية سابقة وفي هذا الظرف بالذات يثير أكثر من سؤال.
وللعلم فقد اختار المجتمعون بالمناسبة السيد عبد المنعم الديلامي رئيس المجموعة الإعلامية إيكوميديا رئيسا لهذا الجنين، الذي نتمنى أن يكتمل ليخرج إلى الوجود بتصور وبطموح إعلامي مخالف لما دأبت عليه باطرونا النشر في المغرب اللاهتة وراء الدعم والمحتشمة أمام معارك حرية التعبير والدفاع عن معتقلي الرأي.
معروف أن الديلمي هو أول رئيس لفدرالية ناشري الصحف بالمغرب والتي تأسست في سنة 2000 عقب خروجها كغرفة للناشرين من النقابة الوطنية للصحافة المغربية في أعقاب مؤتمرها الوطني الرابع.
فقد كان الرهان على أن يكون استقلال الباطرونا عن إطار الصحفيين قوة دفع لقاطرة حداثة وتوسيع هامش الحرية مسنودا بجسام التضحيات التي دفعها المغاربة، من مواقع مختلفة، ثمنا لبناء المجتمع الحداثي الديمقراطي لكن الواقع كان مخيبا للآمال.
ويتذكر الجميع، خصوصا من هم في الميدان، الانتكاسات المتتالية لواقع الإعلام والصحافة في المغرب من اعتقالات وتتريك وإقفال وتضييق على الهامش الذي لازال يضيق إلى اليوم.
في كل المحن، التي هزت حرية الصحافة في المغرب، يشهد التاريخ أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ورغم ما يمكن أن يقال عن تركيبتها العامة، ظلت القلعة الوحيد على الصعيد المهني في مواجهة المد والجزر الذي اعترى حرية الرأي والتعبير، وطبعا مؤازرة، في كثير من المواقف، بهيئات وجمعيات حقوقية وطنية وإقليمية ودولية. بينما هيئة أو فدرالية الناشرين – سواء في بدايتها على عهد الديلمي أو على عهد الذي أخلفوه - ظلت متفرجة على الوضع، رغم أن الذين ضربتهم عصا القمع كانوا إما أعضاء في الفدرالية أو ناشرين. ولكن أوليغارسية الفدرالية، وإن كانت هي الغائب الأكبر باستمرار عن مناهضة التضييق على حرية الصحافة في المغرب، فإنها كانت ولاتزال مواظبة الحضور كلما تعلق الأمر بالمطالبة أو بالاستفادة من وزيعة الدعم المالي للصحف، الذي غالبا ما يتخذ شكل الاستفادة من الريع.
في اجتماع يوم أمس كانت المطالبة بالدعم المالي، أيضا، أبرز ما جاء في أول تصريح للسيد الديلمي، وكأن التاريخ يعيد نفسه. وقد قلنا سابقا أن الدعم المالي الذي ظلت تستفيد منه المؤسسات المنتمية للفدرالية لا تظهر آثره إلا على المدراء. وكأنه ثمن الصمت على هدر وانتهاك الحريات، فيما يعيش جل الصحفيين والصحفيات في وضعية ضيق مزمن.
إن انحدار المقروئية في الصحافة المغربية لا يمكن إرجاعه فقط للأزمة الحالية ولا لتشابه وضعها مع وضع الصحافة في العالم فقط، بل تعود بشكل أساسي إلى طرق وأساليب التدبير والتسير المتخلف، الذي تغرق فيه هذه المؤسسات الإعلامية.
لا ننسى قبل الختام الإشارة إلى التدني المستمر لأداء عدد من الإذاعات الخاصة، منتمية كذلك لهذه الباطرونا ، والتي زادت من تلوث المناخ الإعلامي وتحول البعض منها إلى منابر دعائية أو تهريجية دعوية عوض أن تستفيد من التجارب المهنية بناء على الاستقلالية وعلى أخلاقيات المهنية.
كما لا ننسى في ذات السياق الهواجس والتطلعات المرتبطة بسياسة السباق والتسلق إلى المجلس الوطني للصحافة، الذي لم تتبق من عمر ولايته الأولى سوى أقل مما فات.
لذلك، فإن ما وراء الأكمة ليس فقط الاحتماء من فيروس ما ولكن، هذه المرة، للتستر على أهداف مبيتة تعريها أطماع وهواجس الجمع بين المال والسلطة في عالم الصحافة والإعلام، الذي يعاني مهنيوه ومناخه اليوم وبسبب المسلكيات السالفة الذكر، من وضع أصعب مما كان عليه بالأمس.