مباركة زيراق
أولا: في الطرح الإشكالي:
خلال السـنوات الماضية وتزامنا مع خروج الاستعمار وبداية تشكل الدولة الوطنية المستقلة ازدادت فرصة النسـاء فـي الخـروج إلى الفضاء العام الذي اعتبرته حنـة أرندت نافذة الممارسة الديمقراطيـة؛ والفضاء المشترك للشـعور بالمشـاركة الفعلية فـي الحياة عموما، والتمتع بالسـيادة والاستقلال وحيازة فرص بلورة الأفكار التي تؤسس للفضاء الديمقراطي.
والمغرب باعتباره من البلدان، التي أنجزت ثورتها الاجتماعية وأقامت الدولة الوطنية بها، بات ينظر لوجود النساء بالفضاء العام نظرة تتعدى إطار الحق والقانون إلى إطار اخر هو إطار السياسة والمصلحة العامة للبلاد كما للدولة والأمة. وفي عرف هذه النظرة يتم تمتيع النساء بحقهن الدستوري والسياسي الديمقراطي في التواجد بالفضاء العام، وتتم إحاطة حقوقهن هذه بكافة الضمانات القانونية والتشريعية، ضمن إطار عام هو كفالة الحقوق المدينة والسياسية للمواطنين كافة.
لكن هذه القابلية لولوج الفضاء العام لم تجعل أشكال الميز والإقصاء ضد النساء تنتفي، بل بالعكس كلما ازداد ظهور النساء بالفضاء العام، ارتفعت مقابله أشكال العنف والميز تجاههن.
لذا لم يكن غريبا أن يشبه واقع النساء واقع الطبقة العاملة، مثلما نبه إلى ذلك السوسيولوجي الفرنسي ألان تورين Alain Touraine في وقت سابق، على اعتبار أن هذا التشبيه يعكس المواجهة ما بين الحتميات والسلط الاجتماعية من جهة، ومن جهة ثانية المطالبة بالحقوق والحريات.
وكما هو معلوم، تتعرض النساء إلى العنف في كافة أنحاء العالم، وتتعدد توصيفات العنف المبني على النوع الاجتماعي، على نحو يصعب معه التطرق إليها في كليتها. وعموما يعتبر العنف بمختلف مظاهره لاسيما المتعلق منه بالنوع الاجتماعي من القضايا التي استأثرت بانشغالات العديد من المهتمين الصحفيين والفاعلين الحقوقيين والباحثين من مختلف الحقول المعرفية. لكن هذا لا يمنع من القول بأن هذه "التيمة الموضوعاتية" مازالت تعرف قصورا كبيرا على مستوى طرق التحليل والتفسير والفهم، ناهيك عن غياب تراكمات معرفية تسمح بالإحاطة الشمولية والموضوعية بالظاهرة المعنية. ومن هنا جاءت الحاجة في نظرنا إلى تناول مفاهيم الجنس والنوع الاجتماعي والاختلاف الجنسي ، وغيرها من المفاهيم التي يتأسس عليها خطاب العلوم الاجتماعية، وكذا الخطاب الاعلامي حول المرأة، خاصة في السياق المغربي، الذي لايختلف كثيرا عن ما هو موجود في معظم دول الجوار . لذا فما سنركز عليه في هذه المادة، هو محاولة مساءلة إشكالية القيود المفروضة على الفتيات والنساء بسبب جنسهن، وذلك منذ اليوم الأول لولادتهن، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى تجذير العنف الجندري، فنرى جملة المبررات العينية المباشرة التي يقدمها الخطاب الأبيسي لذلك، ثم تجذير مختلف أشكال التمييز الاجتماعي والوصم الممارس ضد النساء.
ثانيا: نبذة عن التمشي المنهجي المتبع
لقد اخترنا أن نعرف المقاومة النسوية في هذه الورقة، بالاستناد إلى ما طرحه سكوتSCOTT، فالمقاومة بحسبه هي أولا ”مقاومـة يوميــة“ وثانيا “عملية سلمية مجزأة“ لا أواصر تربطها بحركات المقاومة الجماعية السياسية أو الاجتماعية. وإذا ما جاز لنا الاستمساك بتعريف سكوت، مجددا، فسنعتبر على أن هذه المقاومة هي ما يتيح إمكانية لإحداث تحول جندري بتمشي رافض لاتباع الطقـوس والأعراف نفسها، بل إن ما يسعى إليه هو إماطة النقـاب عمـا تكتنفـه مـن أوجه ظلــم وآثار سلبية على تكوين الهوية.
أما على المستوى المنهجي فقد اتبعت الإثنوغرافيا الذاتية، لأن الغرض هو تتبع التجـارب الشـخصية الحيـة للنساء والفتيات، ولكون كل تجربة هي بالفعل جديرة بالاستماع ثم التدوين فالسرد، لما تحوزه مـن معـان بدلالات لا يمكن فهمها دون توطينها في سياقها. فضلا عن ذلك فالإثنوغرافيا الذاتية والروايات الشخصية للمبحوثاث والاحتكاك بهن على نحو مباشر يمكن الباحث من النفاذ لعمق التفاصيل التـي لا يمكـن الإحاطة بهـا بغيـر ذلك مـن مناهـج البحـث الكيفية والكمية. ومرة أخرى نستمسك هنا برأي سـكواير Squire“ ، الذي يرى "أن تجـذّر الروايات في التجارب الشخصية يتيح إمكانية البحـث في ظواهر تكون إما حديثة العهـد أو مضمرة أو متجاهلة جـراء ما تكتنفه مــن تعقيدات“. كما أن السرد الشخصي أو قصص الحياة لا تعني بالضرورة وجودنا أمام حقيقة مطلقة في حياة الفرد وواقعه، وبالتالي فإنها لاتستوجب قراءة أو تفســيرا صحيحا، بقدر ماتتطلب التعددية والذاتية.
لهذه الاعتبارات وعلاقة بإطار هذه الإثنوغرافيـا الذاتية، وضعنا المبحوثاث (نساء العينة) داخل سـياق ثقافـي وسياسي نروم عبره ومن خلاله كشـف الديناميكيات الثقافيـة التي تعمل على مسـتوى مختلف مـن رفض النساء ومقاومتهن اعتمادا على كيفيـة ربطهـا لحياتهن الشخصية بالمجالات الثقافية أو السياسية التي يحيين فيها. على اعتبار أن دراسـة قصـص الحيـاة والتجـارب الحيـة لا تقف حدودها عند تمكين الباحث من الانغماس فـي سـياق البحـث ومعانيـه الثقافيـة، بـل تمكنه أيضا من التفكيـر فـي تموضعه فـي عمليـة الإنتاج المعرفـي و البحثـي، وبالتالي منح المبحوث مساحة لسرد تجربته الخاصة عوض أن يكون الباحث لســان حاله. وكما هو الحال في وضعيتنا اعتمدت أسلوبا حواريا متداخلا بمسار تبادلي.
(يتبع)
مباركة زيراق
أولا: في الطرح الإشكالي:
خلال السـنوات الماضية وتزامنا مع خروج الاستعمار وبداية تشكل الدولة الوطنية المستقلة ازدادت فرصة النسـاء فـي الخـروج إلى الفضاء العام الذي اعتبرته حنـة أرندت نافذة الممارسة الديمقراطيـة؛ والفضاء المشترك للشـعور بالمشـاركة الفعلية فـي الحياة عموما، والتمتع بالسـيادة والاستقلال وحيازة فرص بلورة الأفكار التي تؤسس للفضاء الديمقراطي.
والمغرب باعتباره من البلدان، التي أنجزت ثورتها الاجتماعية وأقامت الدولة الوطنية بها، بات ينظر لوجود النساء بالفضاء العام نظرة تتعدى إطار الحق والقانون إلى إطار اخر هو إطار السياسة والمصلحة العامة للبلاد كما للدولة والأمة. وفي عرف هذه النظرة يتم تمتيع النساء بحقهن الدستوري والسياسي الديمقراطي في التواجد بالفضاء العام، وتتم إحاطة حقوقهن هذه بكافة الضمانات القانونية والتشريعية، ضمن إطار عام هو كفالة الحقوق المدينة والسياسية للمواطنين كافة.
لكن هذه القابلية لولوج الفضاء العام لم تجعل أشكال الميز والإقصاء ضد النساء تنتفي، بل بالعكس كلما ازداد ظهور النساء بالفضاء العام، ارتفعت مقابله أشكال العنف والميز تجاههن.
لذا لم يكن غريبا أن يشبه واقع النساء واقع الطبقة العاملة، مثلما نبه إلى ذلك السوسيولوجي الفرنسي ألان تورين Alain Touraine في وقت سابق، على اعتبار أن هذا التشبيه يعكس المواجهة ما بين الحتميات والسلط الاجتماعية من جهة، ومن جهة ثانية المطالبة بالحقوق والحريات.
وكما هو معلوم، تتعرض النساء إلى العنف في كافة أنحاء العالم، وتتعدد توصيفات العنف المبني على النوع الاجتماعي، على نحو يصعب معه التطرق إليها في كليتها. وعموما يعتبر العنف بمختلف مظاهره لاسيما المتعلق منه بالنوع الاجتماعي من القضايا التي استأثرت بانشغالات العديد من المهتمين الصحفيين والفاعلين الحقوقيين والباحثين من مختلف الحقول المعرفية. لكن هذا لا يمنع من القول بأن هذه "التيمة الموضوعاتية" مازالت تعرف قصورا كبيرا على مستوى طرق التحليل والتفسير والفهم، ناهيك عن غياب تراكمات معرفية تسمح بالإحاطة الشمولية والموضوعية بالظاهرة المعنية. ومن هنا جاءت الحاجة في نظرنا إلى تناول مفاهيم الجنس والنوع الاجتماعي والاختلاف الجنسي ، وغيرها من المفاهيم التي يتأسس عليها خطاب العلوم الاجتماعية، وكذا الخطاب الاعلامي حول المرأة، خاصة في السياق المغربي، الذي لايختلف كثيرا عن ما هو موجود في معظم دول الجوار . لذا فما سنركز عليه في هذه المادة، هو محاولة مساءلة إشكالية القيود المفروضة على الفتيات والنساء بسبب جنسهن، وذلك منذ اليوم الأول لولادتهن، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى تجذير العنف الجندري، فنرى جملة المبررات العينية المباشرة التي يقدمها الخطاب الأبيسي لذلك، ثم تجذير مختلف أشكال التمييز الاجتماعي والوصم الممارس ضد النساء.
ثانيا: نبذة عن التمشي المنهجي المتبع
لقد اخترنا أن نعرف المقاومة النسوية في هذه الورقة، بالاستناد إلى ما طرحه سكوتSCOTT، فالمقاومة بحسبه هي أولا ”مقاومـة يوميــة“ وثانيا “عملية سلمية مجزأة“ لا أواصر تربطها بحركات المقاومة الجماعية السياسية أو الاجتماعية. وإذا ما جاز لنا الاستمساك بتعريف سكوت، مجددا، فسنعتبر على أن هذه المقاومة هي ما يتيح إمكانية لإحداث تحول جندري بتمشي رافض لاتباع الطقـوس والأعراف نفسها، بل إن ما يسعى إليه هو إماطة النقـاب عمـا تكتنفـه مـن أوجه ظلــم وآثار سلبية على تكوين الهوية.
أما على المستوى المنهجي فقد اتبعت الإثنوغرافيا الذاتية، لأن الغرض هو تتبع التجـارب الشـخصية الحيـة للنساء والفتيات، ولكون كل تجربة هي بالفعل جديرة بالاستماع ثم التدوين فالسرد، لما تحوزه مـن معـان بدلالات لا يمكن فهمها دون توطينها في سياقها. فضلا عن ذلك فالإثنوغرافيا الذاتية والروايات الشخصية للمبحوثاث والاحتكاك بهن على نحو مباشر يمكن الباحث من النفاذ لعمق التفاصيل التـي لا يمكـن الإحاطة بهـا بغيـر ذلك مـن مناهـج البحـث الكيفية والكمية. ومرة أخرى نستمسك هنا برأي سـكواير Squire“ ، الذي يرى "أن تجـذّر الروايات في التجارب الشخصية يتيح إمكانية البحـث في ظواهر تكون إما حديثة العهـد أو مضمرة أو متجاهلة جـراء ما تكتنفه مــن تعقيدات“. كما أن السرد الشخصي أو قصص الحياة لا تعني بالضرورة وجودنا أمام حقيقة مطلقة في حياة الفرد وواقعه، وبالتالي فإنها لاتستوجب قراءة أو تفســيرا صحيحا، بقدر ماتتطلب التعددية والذاتية.
لهذه الاعتبارات وعلاقة بإطار هذه الإثنوغرافيـا الذاتية، وضعنا المبحوثاث (نساء العينة) داخل سـياق ثقافـي وسياسي نروم عبره ومن خلاله كشـف الديناميكيات الثقافيـة التي تعمل على مسـتوى مختلف مـن رفض النساء ومقاومتهن اعتمادا على كيفيـة ربطهـا لحياتهن الشخصية بالمجالات الثقافية أو السياسية التي يحيين فيها. على اعتبار أن دراسـة قصـص الحيـاة والتجـارب الحيـة لا تقف حدودها عند تمكين الباحث من الانغماس فـي سـياق البحـث ومعانيـه الثقافيـة، بـل تمكنه أيضا من التفكيـر فـي تموضعه فـي عمليـة الإنتاج المعرفـي و البحثـي، وبالتالي منح المبحوث مساحة لسرد تجربته الخاصة عوض أن يكون الباحث لســان حاله. وكما هو الحال في وضعيتنا اعتمدت أسلوبا حواريا متداخلا بمسار تبادلي.
(يتبع)