..وركبنا قطار الحياة
سعيد رحيم
احتملت رمزية ركوب القطار الكثير من التفسيرات في حياة الإنسان، الواعية واللاواعية. وتراوح الحلم بركوب القطار مابين التطلع إلى تحقيق سعادة العيش عبر الانتقال من مكان إلى المكان والإلتقاء صدفة، إذا كانت المسافة طويلة، مع رجل أو امرأة؛ قد ينشغل بهما البالً...أو ربما قد يضطر الراكب إلى التوقف لساعات بمحطة غير مرغوب فيها وكأنه مرمي في الأدغال... في ذهول من أمره .. وقد لا يأتيه أي تفسير أو جواب، سوى تعاسة الحظ المنكود...
عندما غنى المطرب عبد الهادي بلخياط، صاحب الحنجرة الذهبية، أغنيته الجميلة قبل سنوات "قطار الحياة"، سافر الكثيرون معه في هذا القطار، ب"الصدق والنية الحسنة.. وما حامل غير المزيانة".
وبالرغم من رهبة خبر "تي.جي.في"، الذي قد يأتي مرتعدا، فقد تعلق الناس ب"قطار حياة" بلخياط، حتى وهو ينوح مطلا من إحدى نوافذ عرباته قائلا: " شوف أنا فين وأنت فين .. يبال ليك الفرق يا مسكين". ومع ذلك لم يتخلى العشاق والأحبة عن هذا القطار وهو يشق عباب الرياح وتضاريس العشق والغرام والمحبة وحتى العتاب.
تعلق العشاق وحتى عامة الناس بقطار الصوت الدافئ أكثر من تعلقهم بقطار "التنمية"، الذي أيقظت مزاميره الصبايا في غياهب الليل وأطراف النهار، دون أن يتمكن يوما من الإقلاع ولا حتى أن يتحرك مغادرا محطة القطار، إلى أن سلموه شهادة الوفاة أمام الملأ.. وهو متوقف من الأصل، ولا ينطلق إلا لكي يجلب النحس..
" قطار الحياة"؛ ظل يخامر حتى من لم يشنف أذنيه بالقطعة الحكائية والموسيقية المغناة. حكايات قطار مر بالكثير المحطات. وهو "في يوم ما راحل جوال.. غادي راحل جوال.. تراءى له بين الناس خيال.. عيونو يائسة وحزينة" ... فتساءل مع نفسه وأجابها في نفس الوقت:"فين الشباب غاب وزاد ... في الجمال عيا ودبال".
وفعلا حتى قبل تسليم قطار التنمية"شهادة الوفاة، ظل عبد الهادي يردد مناجيا التباعد ببنه وبين القطار:"شوف أنا فين وانت فين يبان ليك الفرق يامسكين؟"، كشعور معبر عن الهوة بين قطار الحياة وقطار الممات.
في محطات قطارات المغربية يمكن للمرء أن يشعر بقمة الإهانة الشبيهة بموت الكرامة. فمباشرة بعد حجز التذكرة...يمكن أن يقع بأحوالك ما يشاؤون... أن تعود أو لا تعود، لن يخبروك باحتمال تأخر القطار عن موعده بالضبط، وكأن وقتك أصبح ملكا لهم، لن تجد مكانا للجلوس، وعندما تهم بالنزول قد لا يفتح لك الباب. وفي قطارات المسافات الطويلة بالعربات التي يركبها أغلبية المسافرين تنعدم النظافة لتشعر أنك في ناقلة للنفايات وليس بداخل قطار...
وإن فعلوا وأخبروا المسافرين بمعلومة عن تأخر القطار عن موعده فعلى الناس أن تشعر بالاعتزاز لأنهم تذكروهم في "البوق" ولم يبقوا للحظات نكرة تائهين، إنهم لايزالوا آدميين.
وبما أن الناس تتشبثت بقطار الحياة إلا أنه "شاف فيهم وضحك وزاد وخلى دمعهم هواد.. أما هو فقد لعبت به الأيام وصدت به الأوهام .. ورماتو خارج لمدينة".. وشاف فيهم شوفة لعدو وقال ليهم بزاف عليك..
ومن تمة... الصدمة كانت قوية .. وكانت قوية ...وركبنا قطار الحياة.. ؤمازال قدامنا ذكريات..
..وركبنا قطار الحياة
سعيد رحيم
احتملت رمزية ركوب القطار الكثير من التفسيرات في حياة الإنسان، الواعية واللاواعية. وتراوح الحلم بركوب القطار مابين التطلع إلى تحقيق سعادة العيش عبر الانتقال من مكان إلى المكان والإلتقاء صدفة، إذا كانت المسافة طويلة، مع رجل أو امرأة؛ قد ينشغل بهما البالً...أو ربما قد يضطر الراكب إلى التوقف لساعات بمحطة غير مرغوب فيها وكأنه مرمي في الأدغال... في ذهول من أمره .. وقد لا يأتيه أي تفسير أو جواب، سوى تعاسة الحظ المنكود...
عندما غنى المطرب عبد الهادي بلخياط، صاحب الحنجرة الذهبية، أغنيته الجميلة قبل سنوات "قطار الحياة"، سافر الكثيرون معه في هذا القطار، ب"الصدق والنية الحسنة.. وما حامل غير المزيانة".
وبالرغم من رهبة خبر "تي.جي.في"، الذي قد يأتي مرتعدا، فقد تعلق الناس ب"قطار حياة" بلخياط، حتى وهو ينوح مطلا من إحدى نوافذ عرباته قائلا: " شوف أنا فين وأنت فين .. يبال ليك الفرق يا مسكين". ومع ذلك لم يتخلى العشاق والأحبة عن هذا القطار وهو يشق عباب الرياح وتضاريس العشق والغرام والمحبة وحتى العتاب.
تعلق العشاق وحتى عامة الناس بقطار الصوت الدافئ أكثر من تعلقهم بقطار "التنمية"، الذي أيقظت مزاميره الصبايا في غياهب الليل وأطراف النهار، دون أن يتمكن يوما من الإقلاع ولا حتى أن يتحرك مغادرا محطة القطار، إلى أن سلموه شهادة الوفاة أمام الملأ.. وهو متوقف من الأصل، ولا ينطلق إلا لكي يجلب النحس..
" قطار الحياة"؛ ظل يخامر حتى من لم يشنف أذنيه بالقطعة الحكائية والموسيقية المغناة. حكايات قطار مر بالكثير المحطات. وهو "في يوم ما راحل جوال.. غادي راحل جوال.. تراءى له بين الناس خيال.. عيونو يائسة وحزينة" ... فتساءل مع نفسه وأجابها في نفس الوقت:"فين الشباب غاب وزاد ... في الجمال عيا ودبال".
وفعلا حتى قبل تسليم قطار التنمية"شهادة الوفاة، ظل عبد الهادي يردد مناجيا التباعد ببنه وبين القطار:"شوف أنا فين وانت فين يبان ليك الفرق يامسكين؟"، كشعور معبر عن الهوة بين قطار الحياة وقطار الممات.
في محطات قطارات المغربية يمكن للمرء أن يشعر بقمة الإهانة الشبيهة بموت الكرامة. فمباشرة بعد حجز التذكرة...يمكن أن يقع بأحوالك ما يشاؤون... أن تعود أو لا تعود، لن يخبروك باحتمال تأخر القطار عن موعده بالضبط، وكأن وقتك أصبح ملكا لهم، لن تجد مكانا للجلوس، وعندما تهم بالنزول قد لا يفتح لك الباب. وفي قطارات المسافات الطويلة بالعربات التي يركبها أغلبية المسافرين تنعدم النظافة لتشعر أنك في ناقلة للنفايات وليس بداخل قطار...
وإن فعلوا وأخبروا المسافرين بمعلومة عن تأخر القطار عن موعده فعلى الناس أن تشعر بالاعتزاز لأنهم تذكروهم في "البوق" ولم يبقوا للحظات نكرة تائهين، إنهم لايزالوا آدميين.
وبما أن الناس تتشبثت بقطار الحياة إلا أنه "شاف فيهم وضحك وزاد وخلى دمعهم هواد.. أما هو فقد لعبت به الأيام وصدت به الأوهام .. ورماتو خارج لمدينة".. وشاف فيهم شوفة لعدو وقال ليهم بزاف عليك..
ومن تمة... الصدمة كانت قوية .. وكانت قوية ...وركبنا قطار الحياة.. ؤمازال قدامنا ذكريات..