مباركة زيراق
وضع السياق تحت المجهر:
منذ الوهلة الأولى للقائنا بالمبحوثات أكدن جميعهن على أن الاختلاف البيولوجـي والجنسـي ينعكـس في تمايزات أخرى، فمثلا على المستوى الجسدي يتم افتراض أن الرجـال أقـوى بنيـة، وعلى مستوى الشخصية باعتبـار النسـاء أكثـر عاطفية وأقل عقلانية، وهو ما وصفته كونيـل وبيـرس ب ” “ Pearse and Connell في وقت سابق.
من أين تبدأ المقاومة؟
كان ذلك هو السؤال المركزي الذي توجهنا به لنساء عينتنا، وكان العنصر المشترك بينهن هو الحديث عن " الغضب" كأن يقلن نود الحديث عن غضبنا وعمـا اسـتقيناه مـن تجاربنا الحياتية من هيمنة سواء في المنزل مع أفراد الأسرة كمجال خاص، أو في المجتمع كمجال عام، وعن اللحظات التي نـدرك فيهـا أننا فـي خضـم مواقف لا يمكن استحمالها وأنه لابد من التصدي لها وتغييرها". بمعنى أنه يدركن بداية هذه المحطات كاعتـراف للذات بالدرجة الأولى بأنهن يعترضن على وضع معين يسلمن به كخطأ.
* 1المقاومة المتخفية
يوصف فعل المقاومة الذي قامت به مبحوثات العينة بكونه مـن أشكال ”المقاومة اليومية“، وهذه الأشكال حاضرة بقوة فـي العلاقات القائمة على القوة، فتكون في الغالب " متخفية" على حد تعبير أصف بيات، وغالبا ما تنبثق منها تدخلات مجدية ، وإن كان لابد من سبب لقياس جدواها فهو من أجل إحداث تحولات اجتماعية كمواجهة صريحة للقيم السائدة، لاسيما تلك القيم المتحكمة في العلاقات بين الجنسين فأهميتها تكمن في خلخلة أدوار الجندر التقليدية، وتقديم طرق بديلة للعيش المشترك، لهذا لم يكن غريبا أن تتعالى الدعوات في جميع مراحل الدراسة لمقاومة الصمت، لاسيما بالنسبة لفئة النساء اللواتي لا يعتبرهن المنطق الأبيسي جديرة بالحقوق. وتكمن أهمية هذا النوع من المقاومة الذي سلكته نساء العينة فـي سـياق مثـل السـياق المغربي، في كونها تمنح التغييـر الاجتماعي المساحة الكافية ليتبلور وينضج، ويعد أرضيته الاجتماعية الخاصة المســتقرّة التي يعتمــد عليها.
* هل هناك مجال للحديث عن الخاص والعام للجسد الأنثوي المغربي ؟
معلوم أن مجتمعنا المغربي كغيره من المجتمعات يعيش ضمن مرحلة تاريخية تتسم بتحولات غزيرة والتي يشهدها الشرط المادي للوجود البشري وبطبيعة الحال فضمن هذا التحول التاريخي الذي يشهده الشرط المادي لوجودنا الاجتماعي، ومنه التحولات الجارية في النسق القيمي تحضر " المسألة الحدودية بين المجالين العام والخاص" كواحدة من كلية الحريات، وهو ما يحيل على تحولات عميقة وعنيفة وسريعة تعتمل داخل المجتمع المغربي. وإذا ما جاز لنا استعمال مفهوم فرديناند تونيز فعلى تغير العلاقة بين الفرد والجماعة المحلية بكل ما لذلك من تداعيات في مجتمعات تشهد تدفقا كبيرا للدلالات المحددة للمعنى الاجتماعي، أي الدلالات التي تنتجها الثورة المعلوماتية في تضافرها مع رهانات العولمة، لتبين هذه العناصر مجتمعة على تحول عميق على مستوى البنيات العائلية والقرابية، وعلى صعيد العلاقة بالدين ومنظوره الذي يسيج الجنسانية الفردية بكثير من الأغلال، فبات هناك نوع من النزوع يسحب الحنسانية بشكل متفاوت نحو ما هو خاص وحميمي، ثم على إدراك معين للفصل بين المجالين العام والخاص، ومنه تعزيز سيادة الفرد على جسده وجنسانيته على نحو يجعله "الحكم" في ما يتعلق بالخيارات الأخلاقية والقيمية والمعيارية. وبفكرة مقتضبة وبليغة، يعبر إلياس نوربرت عن هذا الاختلاف الذي طال أشكال المراقبة والضبط الاجتماعي الذي اتخذ منحى مغاير عن سابقه: أي من خارج الذات إلى داخلها، وحرية التصرف فيها، وهذا يعني إفساح مجال أرحب لإثبات الذات الفردية وشعوره بالاختلاف وترسيخ فكرة تملكها، وعدم سلبها من إرادتها الحرة. الأمر يتعلق، إذن، بانتصار مهم لما يسميه إيريك هوبزباوم و تيرنس رنجر ب "اختلاف التقاليد" التي تعيد النظر في منظومة القيم والمعايير داخل المجتمعات، بمعنى استقلال منطق الانتماءات الجماعوية المذكورة (قبلية– دينية...إلخ) وطرق توظيفها عن باقي ضروب المنطق التي يروج لها المجتمع، فيبرز في ساحة السجال فاعلون جدد: حركات اجتماعية تتشكل حول مهام الدفاع عن الحقوق النسائية وضرورة الاعتراف بها كحق من حقوق الإنسان. بيد أن ما قيل هاهنا، لا يعني أن الحدود بين العام والخاص عندما يتعلق الأمر بالنساء لا تنمحي .لذا، فالمقاومة التي اقترحتها نساء العينة نمت عن رفضهن للنظم الهرمية مثل الأبوية والسلطوية، كاستراتيجيات نسوية وأساليب لتكسير عدد من المسلمات المجتمعية التي توحد الماضي بالحاضر، والذاكرة mémoire ، والاضطهاد والمقاومة. هي روايات عرضية، ترفع الوعي والإدراك عن العنف ضد النساء، وعدم التمكين الجنسي لهن.
رابعا: خلاصات وفتح أفق للتساؤل والحوار:
وكوننا، وقد اخترنا لهذه الورقة منحى يبدي تعلقا بالحرية والحدود بين العام والعام وحقوق النساء وتمكينهن، فإننا نلح على ضرورة إماطة اللثام عن جميع أشكال العنف والإقصاء والتمييز الممارس ضد النساء بعيدا عن قيم التماهي والتطابق التام. فالمجتمع السليم ليس هو المجتمع الذي تغيب فيه النساء عن الفضاء العام – كما تروج لذلك الحركة الإسلاموية الراديكالية، وإنما هو المجتمع الذي يتم فيه الاعتراف للفرد بحرياته، وحقوقه كاملة وقبلها يتم فيه الاعتراف بوجوده، والاعتراف له بأحقية سيادته على جسده وحماية حقه في ممارسة نشاطاته الجنسية سواء داخل المؤسسة الزوجية أو خارجها، وإقرار حقه في الإنجاب سواء داخل المؤسسة المذكورة أو خارجها، وضمان حقه في تغيير جنسه البيولوجي تماشيا مع هويته الجندرية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، والتي انخرطت فيها بلادنا من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات.
انتهى
مباركة زيراق
وضع السياق تحت المجهر:
منذ الوهلة الأولى للقائنا بالمبحوثات أكدن جميعهن على أن الاختلاف البيولوجـي والجنسـي ينعكـس في تمايزات أخرى، فمثلا على المستوى الجسدي يتم افتراض أن الرجـال أقـوى بنيـة، وعلى مستوى الشخصية باعتبـار النسـاء أكثـر عاطفية وأقل عقلانية، وهو ما وصفته كونيـل وبيـرس ب ” “ Pearse and Connell في وقت سابق.
من أين تبدأ المقاومة؟
كان ذلك هو السؤال المركزي الذي توجهنا به لنساء عينتنا، وكان العنصر المشترك بينهن هو الحديث عن " الغضب" كأن يقلن نود الحديث عن غضبنا وعمـا اسـتقيناه مـن تجاربنا الحياتية من هيمنة سواء في المنزل مع أفراد الأسرة كمجال خاص، أو في المجتمع كمجال عام، وعن اللحظات التي نـدرك فيهـا أننا فـي خضـم مواقف لا يمكن استحمالها وأنه لابد من التصدي لها وتغييرها". بمعنى أنه يدركن بداية هذه المحطات كاعتـراف للذات بالدرجة الأولى بأنهن يعترضن على وضع معين يسلمن به كخطأ.
* 1المقاومة المتخفية
يوصف فعل المقاومة الذي قامت به مبحوثات العينة بكونه مـن أشكال ”المقاومة اليومية“، وهذه الأشكال حاضرة بقوة فـي العلاقات القائمة على القوة، فتكون في الغالب " متخفية" على حد تعبير أصف بيات، وغالبا ما تنبثق منها تدخلات مجدية ، وإن كان لابد من سبب لقياس جدواها فهو من أجل إحداث تحولات اجتماعية كمواجهة صريحة للقيم السائدة، لاسيما تلك القيم المتحكمة في العلاقات بين الجنسين فأهميتها تكمن في خلخلة أدوار الجندر التقليدية، وتقديم طرق بديلة للعيش المشترك، لهذا لم يكن غريبا أن تتعالى الدعوات في جميع مراحل الدراسة لمقاومة الصمت، لاسيما بالنسبة لفئة النساء اللواتي لا يعتبرهن المنطق الأبيسي جديرة بالحقوق. وتكمن أهمية هذا النوع من المقاومة الذي سلكته نساء العينة فـي سـياق مثـل السـياق المغربي، في كونها تمنح التغييـر الاجتماعي المساحة الكافية ليتبلور وينضج، ويعد أرضيته الاجتماعية الخاصة المســتقرّة التي يعتمــد عليها.
* هل هناك مجال للحديث عن الخاص والعام للجسد الأنثوي المغربي ؟
معلوم أن مجتمعنا المغربي كغيره من المجتمعات يعيش ضمن مرحلة تاريخية تتسم بتحولات غزيرة والتي يشهدها الشرط المادي للوجود البشري وبطبيعة الحال فضمن هذا التحول التاريخي الذي يشهده الشرط المادي لوجودنا الاجتماعي، ومنه التحولات الجارية في النسق القيمي تحضر " المسألة الحدودية بين المجالين العام والخاص" كواحدة من كلية الحريات، وهو ما يحيل على تحولات عميقة وعنيفة وسريعة تعتمل داخل المجتمع المغربي. وإذا ما جاز لنا استعمال مفهوم فرديناند تونيز فعلى تغير العلاقة بين الفرد والجماعة المحلية بكل ما لذلك من تداعيات في مجتمعات تشهد تدفقا كبيرا للدلالات المحددة للمعنى الاجتماعي، أي الدلالات التي تنتجها الثورة المعلوماتية في تضافرها مع رهانات العولمة، لتبين هذه العناصر مجتمعة على تحول عميق على مستوى البنيات العائلية والقرابية، وعلى صعيد العلاقة بالدين ومنظوره الذي يسيج الجنسانية الفردية بكثير من الأغلال، فبات هناك نوع من النزوع يسحب الحنسانية بشكل متفاوت نحو ما هو خاص وحميمي، ثم على إدراك معين للفصل بين المجالين العام والخاص، ومنه تعزيز سيادة الفرد على جسده وجنسانيته على نحو يجعله "الحكم" في ما يتعلق بالخيارات الأخلاقية والقيمية والمعيارية. وبفكرة مقتضبة وبليغة، يعبر إلياس نوربرت عن هذا الاختلاف الذي طال أشكال المراقبة والضبط الاجتماعي الذي اتخذ منحى مغاير عن سابقه: أي من خارج الذات إلى داخلها، وحرية التصرف فيها، وهذا يعني إفساح مجال أرحب لإثبات الذات الفردية وشعوره بالاختلاف وترسيخ فكرة تملكها، وعدم سلبها من إرادتها الحرة. الأمر يتعلق، إذن، بانتصار مهم لما يسميه إيريك هوبزباوم و تيرنس رنجر ب "اختلاف التقاليد" التي تعيد النظر في منظومة القيم والمعايير داخل المجتمعات، بمعنى استقلال منطق الانتماءات الجماعوية المذكورة (قبلية– دينية...إلخ) وطرق توظيفها عن باقي ضروب المنطق التي يروج لها المجتمع، فيبرز في ساحة السجال فاعلون جدد: حركات اجتماعية تتشكل حول مهام الدفاع عن الحقوق النسائية وضرورة الاعتراف بها كحق من حقوق الإنسان. بيد أن ما قيل هاهنا، لا يعني أن الحدود بين العام والخاص عندما يتعلق الأمر بالنساء لا تنمحي .لذا، فالمقاومة التي اقترحتها نساء العينة نمت عن رفضهن للنظم الهرمية مثل الأبوية والسلطوية، كاستراتيجيات نسوية وأساليب لتكسير عدد من المسلمات المجتمعية التي توحد الماضي بالحاضر، والذاكرة mémoire ، والاضطهاد والمقاومة. هي روايات عرضية، ترفع الوعي والإدراك عن العنف ضد النساء، وعدم التمكين الجنسي لهن.
رابعا: خلاصات وفتح أفق للتساؤل والحوار:
وكوننا، وقد اخترنا لهذه الورقة منحى يبدي تعلقا بالحرية والحدود بين العام والعام وحقوق النساء وتمكينهن، فإننا نلح على ضرورة إماطة اللثام عن جميع أشكال العنف والإقصاء والتمييز الممارس ضد النساء بعيدا عن قيم التماهي والتطابق التام. فالمجتمع السليم ليس هو المجتمع الذي تغيب فيه النساء عن الفضاء العام – كما تروج لذلك الحركة الإسلاموية الراديكالية، وإنما هو المجتمع الذي يتم فيه الاعتراف للفرد بحرياته، وحقوقه كاملة وقبلها يتم فيه الاعتراف بوجوده، والاعتراف له بأحقية سيادته على جسده وحماية حقه في ممارسة نشاطاته الجنسية سواء داخل المؤسسة الزوجية أو خارجها، وإقرار حقه في الإنجاب سواء داخل المؤسسة المذكورة أو خارجها، وضمان حقه في تغيير جنسه البيولوجي تماشيا مع هويته الجندرية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، والتي انخرطت فيها بلادنا من خلال توقيع العديد من الاتفاقيات.
انتهى