تسجيل الدخول

ذكرى 20 يونيو لمقاومة التاريخ المكور

اقلام حرة
admin21 يوليو 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
ذكرى 20 يونيو لمقاومة التاريخ المكور

* سعيد رحيم

من عادة التاريخ أنه مسار مستقيم حتى وإن بدا متراجعا إلى الخلف. لا يدور حول نفسه إلا لكي ينقلب على أهله. إنه حركة عصية عن التطويع. ومع ذلك هناك مع يحرص على إيقاف عجلته وجعلها تدور حول نفسها مخافة أن يتقدم التاريخ إلى الأمام ويعصف بكل من يقف في وجهه، يريدونه أرضا مسطحة كما تخيلتها تخاريف الأولين.

تتجلى محاولات إيقاف عجلة التاريخ في الإرادة قوية الممنهجة سياسيا وإعلاميا لخلق جيل خارج التاريخ أو على هامشه، وفي أحسن الحالات جيل تبتدئ  معرفته بتاريخ بلاده بمحطات في كرة القدم. فالتاريخ عنده مكور يبتدأ ويتطور انطلاقا من غزوات المشاركة في بطولات وكؤوس مونديالات النخب أو الفرق، على قلتها وندرتها. ولاشيء غيرها في تاريخ البلاد.

جيل جعلوه يتغذي ويستنشق ويستهلك لغة الكرة بكل تفاصيلها في كل الأمكنة والأزمنة حتى أصبح الانتماء الموطني لا يرتبط بالأحداث ولا وبالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأساسية لبلده بقدر ما يرتبط بالأحداث التي يمر بها فريقه الكروي. بل حتى إنه انتماء يكاد يعوض به للقبيلة بما تختزنه من عصبية قبلية كالتي تحدث عنها عبد الرحمن بن خلدون، وقد يعوض به الانتماء إلى دولة الفريق الآخر، كما يقع لمحبي “البارصا” و” الريال” في العديد من مدن المغرب. 

طبعا الإعلام الرسمي يغذي هذا الخط المنهجي باستعمال الكرة لتهييج جمهور نحو التفاهة وبمناسبات طمس كل ما هو مهم كلما تعلق الأمر بتحولات جوهرية في الحياة السياسية أو الاقتصادية.. حتى أنتج في البلد جيلا مستعدا لكل شيء في سبيل العصبية الكروية، ولا شيء غيرها! مستعد للتضحية ولخوض حرب هوجاء من أجل الحفاظ التاريخ المقدس بصناعة التيفوات والهجرة من مدرجات ملعب إلى آخر وقطع المسافات للصراخ والتشجيع بكل ما أوتي من قوة، إنها روحه والدم الذي يسري في عروقه، حتى ولو ضيقوا منافذ الملاعب في وجهه لكي تستقيم الهراوات على الرأس والكتفين والظهر.. وحتى بالموت دوسا تحت الأقدام إناثا و ذكورا.

جيل يستيقظ من سبات عميق كلما نفذ إلى مسامعه صوت ذاك المذيع الولوع بصراخه المدوي وكأنه يدق طول الحرب الحاسمة في مصير ومستقبل بلد بأكمله. 

ومقارعة السيوف والمدرعات والقنابل والصواريخ داخل المدرجات وقاعات المقاهي وعلى أرصفتها والإصغاء إلى مذياع الحافلات وسيارات الأجرة.. أفواه وعيون مشدوهة إلى أرجل تركض وتضرب وترفس الكرة في كل الاتجاهات إلى أن تبلغ قمة النشوة “الإكستاز extase”: هدف.. فيعلو الصراخ والنط والققز والعناق عند الفوز أو بآهات الفاشل المترنح المتحسر عند الهزيمة؛ خيبة. 

هو ذا التاريخ الذي يريدونه لتربية الأجيال تربية مكورة ينفر من كل حديث عن الأحداث الأساسية التي تصنع تاريخ الدول والشعوب حيث اللعبة لعبة وليست “أيديولوجيا” لصناعة التفاهة والإلهاء.

اليوم 20 يونيو هو يوم من المحطات الرئيسية في التاريخ المعاصر للمغرب يؤرخ ليقظة الفلاح والعامل – على حد تعبير الشاعر علال تباث- يوم نزلوا في نفس هذا اليوم إلى شوارع الدار البيضاء للتعبير عن سخطهم واحتجاجهم على سياسة الإقصاء والتهميش الناتجة عن المخططات التقشفية للدولة رضوخا لإملاءات المؤسسات المالية الدولية ونهب الثروات الوطنية.. محطة من محطات عديدة من تاريخ المغرب التي لا تدرّس ويطمسها الإعلام العمومي والخاص المغلوب على أمره.
 
الدار البيضاء في 20 يونيو 2023

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.